قبل
بعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم كانت البشرية تعيش في ضلالات الجهل
والشرك والإلحاد ، وكانت العرب جزءاً من تلك البشرية الغارقة في الانحطاط
، والتي تحتاج إلى من ينقذها وينتشلها مما هي فيه .
كان
الجهل فاشياً، والظلم جاثماً، والفوضى ضاربة بأطنابها في كل مكان، حقوق
مسلوبة، وأعراض منتهكة، وحياة بغير نظام ولا قانون، ولا تشريع ولا تنظيم،
سوى بعض العادات ، والأعراف القبلية .
كان الأمن مفقوداً ، والسلب والنهب أمراً معهوداً ، حياة لا أمان فيها ، ولا استقرار ، فالمقيم مهدد بالضرر، والمسافر في وجل وخطر .
كان القتل ، والنهب ، واعتداء القوي على الضعيف ، وكانت الحروب تنشأ لأتفه الأسباب ، فتزهق النفوس، وترمل النساء ، وييتم الأطفال .
في
ظل هذه الظروف وتلك الأوضاع ، وبعد فترة من انقطاع الرسل بُعث النبي محمد
صلى الله عليه وسلم، على رأس الأربعين من عمره ؛ حيث جاءه جبريل وهو في
غار حراء بأول ما نزل من القرآن ، فقرأ عليه قوله تعالى :
{ اقرأ باسم ربك الذي خلق } (العلق
:1) ، ثم توالى نزول القرآن - الكتاب الخاتم - وبدأ الرسول -صلى الله عليه
وسلم- دعوته على مراتب خمس كما ذكر ذلك ابن القيم-رحمه الله- في كتابه
"زاد المعاد" : المرتبة الأولى : النبوة ، والثانية : إنذار عشيرته
الأقربين ، والثالثة : إنذار قومه ، والرابعة : إنذار قوم ما أتاهم من
نذير من قبله ، وهم العرب قاطبة ، والخامسة : إنذار جميع من بلغته دعوته
من الجن والإنس إلى آخر الدهر .
فقام بمكة ثلاث سنوات يدعو إلى الله سراً ، ثم جهر بالدعوة بعد نزول قول الله تعالى :
{ فاصدع بما تؤمرُ وأعرض عن المشركين } (الحِجِر :94).
لقد كانت بعثته -صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين ، كما أخبر بذلك أصدق القائلين :
{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء :107) ، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :
( إنما أنا رحمة مهداة ) رواه
الحاكم في "المستدرك" ، و
البيهقي في شعب الإيمان ، وصححه الألباني .
فمن آمن به وصدقه ، فاز فوزاً عظيماً ، قال تعالى : {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }(الأحزاب :71) .
ومن أعرض عن هدايته فقد ضل ضلالاً بعيداً ، وخسر في الدنيا والآخرة ، قال تعالى :
{ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} (طه :124).
كانت
دعوته إلى الإيمان بالله وحده وعدم الشرك به ، وإلى الفضيلة والرشد ، وإلى
الأمانة والصدق ، دعوة إلى الخير بكل أنواعه ، وتحذيراً من الشر بكل
أصنافه .
إنَّ بعثته - صلى الله عليه وسلم- كانت ميلاداً جديداً للبشرية ، وتاريخاً عظيماً للإنسانية ، قال تعالى :
{
قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض
لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن
بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} (الأعراف :158).
فببعثته كَمُلَ للبشرية دينها ، وتم للإنسانية نعيمها ، قال تعالى :
{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (المائدة :3) .
فكان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده جميعاً ، ولن يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه ، قال تعالى:
{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (آل عمران : 85).